انطلاق الميركاتو الصيفي أو الشتوي في العالم بأسره مرتبط بعرض وطلب ومفاوضات: “فريق” يريد بيع لاعب، و”فرق” ترغب في الاستفادة من خدماته، “وكلاء” محترفون يلعبون دور الوسيط القانوني في إطار محدد ومهني بأسس معروفة.
لكن وتطبيقا لمقولة “ما دمت في المغرب فلا تستغرب”، فسوق الانتقالات في وطننا يتحول إلى “سوق” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويتدخل فيه نظام “الشناقة” وتتحكم فيه أشياء خارجة عن المألوف، تحت إمرة أشخاص يصرون على البقاء في وحل الهواية، رغم أننا نسعى بقوة للاستقرار بأريحية على هضبة الاحتراف.
قد نرى فريقا يقرر التخلي عن أحد لاعبيه، لكن قيمة الصفقة تتغير حسب الفريق الذي يطلب وده! فيتم تحديد مبلغ للفريق الفلاني وبأربعة أضعافه للفريق العلاني!! “السبب أش؟! والله ما عرفنا السبب بالله”!!
في بعض الأحيان يتحول اللاعب إلى عبد مسلوب الحرية وكأنما اقتناه فريقه من سوق النخاسة، ويصير العقد المبرم بين الطرفين، صكا من صكوك العبودية، وبالموازاة مع ذلك يتحول طلب الانتقال الى فريق آخر أو الرغبة في خوض تجربة جديدة أشبه بمحاولة العتق من الرق أو حربا من أجل استرداد حريته!! كيف لا والشروط المفروضة تصير تعجيزية في بعض الحالات وغير مفهومة في حالات اخرى.
الأمثلة كثيرة ولا داعي لذكر الأسماء والفترات لأنها تكررت عدة مرات، فمنهم من يفرض على اللاعب التنازل عن مستحقاته العالقة في ذمة الفريق ومنهم من يشترط عليه القبول بعرض محدد دون الاخر، مع سلبه حق الاختيار إذا أراد المغادرة، ومنهم من يلزمه بأداء القسم ألا ينتقل الى فريق معين، ومنهم من يرفض تسريح لاعبين لفريق مهما كان العرض المقدم وبدون سبب مقنع، ومنهم من يقسم بأن ينهي مسيرة اللاعب اذا ما تمرد وطالب بحقوقه… السيبة صافي!!
اذا ما انتقلنا إلى جانب الوكلاء، سنجد “تخربيقا” من نوع آخر، فلا أحد يعرف من وكيل من، في ظل كثرة الوسطاء و”السماسرية” التي تنشط في الساحة الوطنية وبكل أريحية، ورغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” ينظم هذه المهنة ويؤطرها ويفرض عليها قوانين محددة، إلا أنه كل ما اقترب المركاتو، يظهر أناس متطفلون من العدم، يقفزون من مكان إلى مكان ويخلعون قبعتهم الأصلية (طبيب، مدرب، لاعب سابق، محامي، منخرط، بطالي،…) ويعوضونها بقبعة “وكيل لاعبين”، بحثا عن عمولة شرعية أو غير شرعية، لعلهم ينجحون في كسب بعض الدريهمات من هذا الرئيس أو ذاك إذا ما نجحوا في “أكل رأس” اللاعب واقناعه بالعرض الذي جاؤوا به ب”تخراج العينين”.
أما مؤخرا، فلقد عشنا على وقع ظاهرة جديدة، حيث تحول الميركاتو إلى حرب باردة ظهر فيها ائتلاف لوبيات ومافيات يتحكمون في مصير الصفقات ويفرضون سلطتهم وجبروتهم في تحديد وجهة كل لاعب وحتى الثمن الذي سينتقل به، فتختلف أساليبهم وتختلف معها اهدافهم ونواياهم يوجهون اللاعبين للتوقيع لفريق معين، ويضغطون على اخرين لعدم التوقيع لفريق آخر، يتحكمون في قيمة اللاعب السوقية، يرفعونها متى شاؤوا ويخفضونها متى أرادوا، يأتون بعروض وهمية لدفع فريق على الرفع من عرضه لضم أحد اللاعبين مستغلين ضغط الجماهير أو حاجة الفريق لتعزيز صفوفه.
ما غاية هؤلاء من هذه التصرفات وما الدافع وراء هذه التكتلات؟ من يحمي حقوق اللاعب؟ ومن يحافظ على مبدإ المنافسة الشريفة؟ تتشابك الأسئلة وتختلط المفاهيم ويندحر المنطق في زوبعة الميركاتو، فلا أحد قادر على فك شفرته والخروج من حربه سليما بريئا، ليبقى المتضرر الأكبر، هو مستوى وسمعة كرة القدم الوطنية.