عاش الشارع الرياضي في المواسم الأخيرة احتقانا كبيرا، بين الجماهير فيما بينها، والجماهير والجهات الساهرة على المشهد الكروي المغربي بصفة عامة، تجاوز مداه رقعة الميدان والمدرجات، وبلغ ماهو سياسي، ضاربا عرض الحائط بجميع الأعراف التي تبعد الرياضة على كل ما هو سياسي، وتحصرها في التنافس الشريف بين خصمين داخل المستطيل الأخضر.
ولعل القشة التي قسمت ظهر البعير صفير بعض الجماهير أثناء عزف النشيد الوطني خلال نهائي كأس العرش بين الرجاء الرياضي ونهضة بركان، الأمر الذي جعل جميع المتتبعين يستنكرون تلك الواقعة، التي لا تمت للرياضة ولا للأخلاق بصلة، حيث قامت هذه الجماهير التي لا تنتسب لأي فريق، بالمس بأحد المقدسات المغربية، والضرب في صميم الهوية المغربية للفريقين معا، وخاصة في نهائي كأس العرش.
هذه الواقعة دفعتنا لطرح سؤال مهم، من الذي يقف وراء تجييش وشحن الجماهير؟ لدرجة القيام بأفعال مشينة تجاه إحدى الركائز ورموز المملكة، وما هو الهدف الذي تسعى له هذه الجهات بهذه الأفعال؟
لعل الدور الذي تقوم به الصفحات “الفايسبوكية” كبير في ما نشاهده في وقتنا الحالي بالمدرجات المغربية، فبعدما كانت أقصى عبارات السب في أزمنة ما قبل الأنترنت “وا لاربيط وا مسخوط الواليدين”، أضحت اليوم، الجماهير المغربية تتفنن في إبداع الشتائم وقذف كل من لم يكن على هواها بأبشع الصفات والنعوت، ولعل الحملة الأخيرة التي شنت على فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، خير دليل على مدى غياب المعرفة والوعي الذي بات يتمتع به جزء لا يستهان به من الجمهور المغربي.
الحملة التي تم شنها على فوزي لقجع، والتي كانت مسيرة من صفحات فايسبوكية، عدد كبير منها من خارج المغرب، دفعت الرجل للجوء إلى القضاء بعدما تعرض للسب والقذف والتشهير، وهو الأمر الذي أدى لتقديم 18 شخصا للإدلاء بأقواله أمام وكيل الملك.
الحركية في المغرب شهدت العديد من الاهتزازات منذ انطلاقتها سنة 2005، فبعدما تم منعها من الحضور بالمدرجات، والتضييق الأمني لأزيد من سنة، نجحت وزارة الداخلية في وضع بعض الضوابط من أجل تسهيل العمل الذي تقوم به داخل المدرجات، مع تحميلها كافة المسؤولية على الأحداث التي يشهدها الملعب وجنباته.
فبعد فترة ركود امتدت لأزيد من موسم، عادت مجموعات الإلترا للظهور بقوة في مدرجات الملاعب الوطنية، وحصدت الإشادة بعد كل إبداع قامت به في المدرجات وخارجها، لكن النقطة السوداء في هذا المشهد، هو أن الالترات لا تتحمل مسؤولياتها في الانفلاتات وتكتفي بإلصاق المسؤولية بالمجتمع.
الأكيد هو أن جميع المتدخلين في المشهد الكروي المغربي وجب عليهم الجلوس إلى طاولة الحوار من أجل محاولة إصلاح وتخليق الحياة الرياضية وخاصة الكروية، والتي تمثل واحدة من أهم القوى الناعمة للمملكة المغربية الشريفة، وليس إعطاء صورة سوداء، تنقص من إشعاع “مشرق الأنوار”.
هي رسالة للجماهير المغربية، والجهات المسؤولة من جامعة ملكية ووزارة شباب ورياضة، ووزارة الداخلية، إضافة إلى الأندية، ومؤسسات المجتمع المدني، دون إغفال دور الإعلام.
وجب على الجميع تحمل مسؤولياته، من أجل وضع قطيعة مع مثل هذه المشاهد التي تضرب في صميم ثوابت الأمة المغربية، وتزعزع استقرارها، لإيجاد حل يؤطر هؤلاء الشباب أو اجتثات هذه الإلترات والسير على نهج عدد من الدول العربية والأوروبية.