فجرت العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، بداية شهر غشت الجاري، قنبلة من العيار الثقيل، بعدما كشفت في تقرير مفصل لها، عن مجموع ديون أندية القسم الأول والثاني في نزاعاتها مع بعض لاعبيها ومدربيها السابقين، والذي وصل إلى غاية يوليوز المنصرم، أكثر من 289 مليون درهم.
يأتي هذا الرقم المخيف، دون احتساب المديونية والالتزامات القادمة، ليدق ناقوس الخطر منذرا بدخول البطولة في حالة “حرجة” وجب معها التوقف للتشخيص ومحاولة إيجاد الحلول، خاصة أن ستة فرق فقط لا تمتلك أي نزاع جاري أو محكوم بصفة نهائية.
تصدر اتحاد طنجة قائمة الفرق الأكثر مديونية في الدوري الاحترافي بمبلغ يقارب 4 مليارات و400 مليون سنتيم، وخلفه الرجاء في المركز الثاني، بقرابة 3 مليارات و500 مليون سنتيم، ثم مولودية وجدة في المركز الثالث بمليارين و800 مليون سنتيم، يجعلنا نتساءل، في ظل غياب الحكامة وترشيد النفقات من المكاتب المسيرة وتساهل الأجهزة الوصية وغياب الرقابة خلال الجموع العامة، ما هي أسباب الوصول إلى هذا الوضع الكارثي؟
الجزء الأكبر من المسؤولية تتحمله الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والعصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية، كونهما الجهازان الوصيان على اللعبة والآمران الناهيان القائمان على كل كبيرة وصغيرة تخص الفرق الوطنية، خاصة بسبب عدم تفعيل القانون عن طريق لجنة مراقبة مالية الأندية وتساهلهما مع الفرق التي عندها نزاعات وأحكام ومنحها الضوء الأخضر رغم ذلك، لإنجاز تعاقدات و”كتزيد الخل على الخميرة”.
إلى جانب ذلك، يبقى المسيرون دائما في فوهة المدفع، فلا يعقل أن تغيب الحكامة وترشيد النفقات واستراتيجيات العمل وتجاوز موازنة التعاقدات، لا يعقل أن يتعاقد فريق بميزانية صغيرة مع عدد كبير من اللاعبين بمبالغ طائلة تفوق قدراته المادية وتدخله في نفق النزاعات المظلم، لا يعقل أن يغيب الحل الودي في النزاعات عوض التحول إلى ردهات الفيفا والطاس، كل هذا لن ينسينا غياب العقلانية في التعاقدات وانتداب لاعبين ومدربين يحصلون على تعويضات هامة بمستوى عادي ومتواضع دون تقديم أي إضافة رياضية.
ضعف الجانب المادي في البطولة الاحترافية يحيلنا مباشرة على موارد الأندية من مستشهرين محتضنين ومجالس مدن ومنح الجامعة ومنح البث التلفزي، والتي لا تتماشى مع “التطلعات” المنتظرة من أنديتنا.
فكيف يعقل أن يتساوى فريق بطل مع فريق صاعد في قيمة المنحة السنوية أو منحة النقل التلفزي؟ كيف لفريق بطل أن يحصل على 300 مليون سنتيم وميزانيته الموسمية تفوق الـ7 ملايير سنتيم ؟ كيف لفريق يمثل منطقة ما معروفة بمواردها وخيراتها أن “يتسول” مقابل الحصول على دعم من جهة رسمية؟
كل هذا ونحن لا زلنا في قوس الفريق الأول ولم نفتح أقواس التكوين والتأطير والإدارات التقنية والبنيات التحتية وغيرها… فلا يمكن إغفال كل هذه الجوانب ومحاولة “إخفاء الشمس بالغربال”، وجب إعادة النظر في الموضوع بنظرة شاملة والاحتداء بالمجتهدين واستنساخ تجارب خارجية تمكن من توسيع مداخيل الأندية والرفع من قيمتها.
وحتى لا ننسى، فهناك أندية تحصل على المال لتسيير شؤونها بطريقة غير مفهومة ومبهمة تحت مسمى “الهبات” في تفضيل لمبدأ “مول الشكارة” عوض “التسيير المؤسساتي”، وأندية أخرى تدعم ميزانيتها من صندوق المال العام وأخرى محتضنة من مؤسسات عمومية، في حين أن الأغلبية تصارع وتقاتل يمينا ويسارا من أجل الاستمرار والنجاة من دوامة الأزمات المادية في خرق سافر لمبدأ تكافؤ الفرص..
راجعوا الأوراق ورتبوا الأمور وامنحوا كرة القدم الوطنية صفة “الاحترافية” عوض عرضها في المسميات.