تصريحات عبد المجيد البرناكي، في خرجته الإعلامية براديو مارس، رفقة زميلي عادل العمري، وبحضوري، ستبقى شهادة للتاريخ، ليس لأن الأمر يتعلق بالوداد، بل لأنه رسم صورة قاتمة عن كواليس ما يقع في أغلب الأندية الوطنية من انقلابات.
طيلة ساعة ونصف، تحدث خلالها البرناكي بنبرة غاضبة عن الوضع داخل القلعة الحمراء، ووجه سهام النقد بحدة إلى اللاعبين، وهو يعلم علم اليقين، حسب قوله، من يحركهم في الخفاء، ومن يسعى إلى الضغط عليه للرحيل.
التصريحات تحولت إلى اتهامات لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، ولن تمر، خاصة وأن المتحدث رئيس للنادي، وواحد ممن عايشوا فترة الناصيري بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، ولم يجرؤ يوما على الكلام في الإعلام، لكنه اضطر إلى ذلك اضطرارا، ليدق ناقوس الخطر، وليقول للوداديين، الوداد لم يعد “عائلة” كما كان.
خرجة البرناكي، في توقيت حساس، لها ما يبررها، حسب رأيه، ومخطئ من يعتقد أنه لم يحسن التوقيت، بل سارع للخروج، كما سارع للإعلان عن فتح باب الترشيحات، بعد الهزيمة أمام آسفي، ليعطي إشارات قوية أن الوداد ليست بخير، وأن الهزائم ليست بريئة، وأن أياد خارجية تعبث بمصير الفريق.
البرناكي أصر على الكلام قبل “الديربي”، خوفا من هزيمة أخرى بفعل فاعل، قد تزيد من سخط الوداديين عليه، لكنه قدم هدية للمتربصين به، ليزدادوا قربا من لاعبيه.
الرجل تحمل المسؤولية في وقت صعب، ونفذ وعوده، بفتح باب الانخراط، والعمل على هيكلة النادي، وفتح باب الترشيحات، والتوقيع على ميركاتو في المستوى، وبقيت النتائج نقطة سلبية في سجل البرناكي، لأن من كان وراءها لم يرد له النجاح، بل اعتبرها وسيلة للضغط عليه من أجل ترك كرسي الرئاسة.
كل ما يحتاجه الوداديون اليوم، بناء على ما قاله البرناكي، وإلى أن يثبت العكس، هو فتح تحقيق عميق لمعرفة ما يقع بالبيت الداخلي، ومعرفة من قال إنه خان القميص، ومن قال إنه كان يختار المباريات من اللاعبين، ومن قال إنه يبخس عمل مسيري النادي.
في اعتقادي، التركيز على شخص البرناكي، وانتقاده، مضيعة للوقت، بل ما يجب التركيز عليه هو فحوى كلامه، وقراءة ما بين الأسطر لفهم ما يقع، ولا يمكن لهيأة المنخرطين والجماهير أن تلعب دور المتفرج، كأنها تشاهد مباراة لكرة القدم، لا تعنيها نتيجتها في شيء، بل دورها الأول والثاني والثالث هو حماية عرين الوداد، والعمل على رؤيته في أفضل الأحوال. وكيف بذلك أن يحدث إن لم يكن هناك تشخيص حقيقي للوضع؟
البرناكي قال ما قال، ومضى ليواصل مهامه إلى 18 يوليوز، موعد الجمع العام، لكنه رسم للوداديين صورة مخيفة، ينبغي التحقق من صحتها، وإبعاد كل من كان سببا فيها عن محيط الفريق ولاعبيه، حتى لا يزداد الوضع سوءا، ولا تطول مرحلة الفراغ، وهو الذي صال وجال في القارة السمراء.
ألم يعد الوداد في أمان كما كان؟ أليس للوداديين في تاريخهم عبر وحكم؟ فيكفي التأمل في تاريخ الفريق، وأسمائه الوازنة من مسيرين ولاعبين، ليعمل الجميع، أن الفريق له رجالاته وله تاريخه، ولا حاجة للترويج لأسماء هي في الأصل نموذج سيء للتسيير، لتلعب دور المنقذ، بعد أن تركت أنديتها الأصلية غارقة في وحل النزاعات، والصراعات، والديون.
البرناكي برأ ذمته، ورمى بالكرة في مرمى اللاعبين والجماهير والمنخرطين، وستبقى تصريحاته شهادة للتاريخ عن حقبة قد يرجع إليها الوداديون وغيرهم متى شاؤوا، ليستخلصوا منها الدروس والعبر.
الوداد ليست فقط كرسي الرئاسة، بل هي كيان يضم أمة، بل شعبا، ألف الفرحة لسنوات وسنوات، وعاش مرفوع الرأس، بين أقوى الأندية في القارة السمراء، ويحتاج إلى من يعيد له هيبته، ويعيد له توهجه، ولن يتحقق ذلك، ما دامت الصراعات تنهك جسمه، وتمنعه من النهوض من جديد.
التغيير يتطلب رجالا صادقين، وصبر ورجاحة عقل، وحرصا كبيرا على مصلحة الفريق لا على كرسي الرئاسة، فمن يسيء اليوم إلى البرناكي، فهو يهدم من حيث لا يدري، مشروع بناء مؤسسة الوداد، ولن يقبل عند توليه الرئاسة أن يعامل يوما ما بالمثل، بل ستجده يطالب بتظافر الجهود، وبالهدوء للاشتغال في أجواء صحية، كان سببا في تعكيرها قبل ذلك.
خرجة البرناكي الإعلامية، اتفق الوداديون أم اختلفوا مع توقيتها، ومضمونها، ستبقى مهمة في تاريخ الفريق، وفرصة ليعرف الوداديون من يسعى إلى خدمة فريقهم، ومن له مصالح شخصية أو حلم رئاسة فريق بقيمة وداد الأمة، حتى وإن لم يكن يوما ما ينتمي لكيانه.