خلفت تصريحات عزيز البدراوي، رئيس الرجاء الرياضي لكرة القدم، يوم أمس، وتهديده بالرحيل، آراء متباينة داخل الأوساط الرجاوية خاصة، والرياضية عامة، إذ لم يمض على تقلده مهام تسيير النادي العالمي سوى ثلاثة أشهر ونصف، في مرحلة صعبة وفترة انتقالية تفرض جهدا كبيرا ومضاعفا لإرجاع الفريق إلى مكانته، حسب انتظارات أنصاره.
وتساءلت الجماهير الرجاوية عن أسباب خروج الرئيس بتصريحات مماثلة في بداية مشواره التسييري، وهي التي مدت له يدها وساندته بشكل شبه كلي، سواء على الواقع أو المواقع، بداية بدعمها له عبر منصات التواصل الاجتماعي ومرورا برسائل التشجيع ووصولا إلى حملة بطائق الاشتراك وتذاكر المباريات في أول مباراتين خاضهما الفريق بمركب محمد الخامس، مؤكدة أنها السند الأول للفريق ولعزيز البدراوي بصفته رئيسا للنادي الأخضر، وهو الذي جاء بنية التغيير وبعزيمة كبيرة لإعادة ترميم البيت الأخضر وإرجاعه إلى مكانته الطبيعية.
ومباشرة بعد ذلك، وجه البدراوي شكره للجماهير الرجاوية عبر رسالة واضحة نشرها على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي أنستغرام، بسبب الرسائل والدعم الذي تلقاه بعد تصريحاته، مقدما وعده بالاشتغال من أجل مصلحة الفريق والعودة إلى منصات التتويج.
وأكد البدراوي أنه أرهق نفسيا وبدنيا من تسيير النادي بسبب الضغط الذي يفرض عليه، لكنه يواصل بسبب حب الجمهور وما يشاهده على أرض الواقع، إلا أن تعاقده مع الإطار التونسي منذر لكبير لقيادة فريق الرجاء، جعل العديد من الملاحظات تطفو على السطح خاصة بعد تصريحه بأنه الوحيد الذي يتحمل مسؤولية هذا الاختيار.
ولأن الدعم يكون في السراء والضراء، وأي فريق في العالم مقدر له أن يمر من مرحلة فراغ، خاصة إن كان يمر من مرحلة انتقالية، لكن هناك أشياء يجب أن تتوفر مقابل هذا الدعم في إطار سياسة رابح/رابح أو “هاك و أرا”، وهناك بعض الحقائق، وجب الوقوف عليها لنضع النقاط على الحروف.
في إطار نقد بناء وهادف، سنبدأ من آخر جزء في القصة وهو التعاقد مع المدرب التونسي منذر لكبير، فمجموعة من الأسئلة تطرح مجددا وأولها “هل أخطأ البدراوي في الاختيار مرة أخرى؟” ومن المسؤول عن التعاقد مع منذر لكبير؟ هل التونسي هو الاختيار الأمثل لقيادة هذه التركيبة من اللاعبين؟ وهل يحق لمدرب مقال أن يقترح مدربا يعوضه؟ وهل فلسفة لكبير تتماشى مع فلسفة الرجاء؟…
هذا سيحيلنا إلى ملف الأسماء التي شكلت اللجنة التقنية للرجاء، وما هي المعايير التي اتبعها عزيز البدراوي في تعيينها ؟ فبالعين المجردة، سيرهم الذاتية لا تسمح لهم أن يتقلدوا مهام جسيمة في لجنة تقنية لفريق بحجم الرجاء، والدليل أن المكتب المسير فك ارتباطه بهم بعد ثلاثة أشهر فقط!!
موضوع اللجنة التقنية مرتبط مباشرة بانتدابات الرجاء الصيفية، والتي تأكد بالملموس أنها عادية وليست بالسيئة، لكنها أيضا ليست “سوبر” كما تم الترويج له! فباستثناء ثلاثة لاعبين (حمزة خابا، روجير أهولو وأكسيل مايي)، فإن كل الوافدين الجدد قدموا للرجاء في صفقات انتقال حر، ولم تستطع اللجنة التقنية أو المكتب المسير الفوز بأي صفقة في صراع الميركاتو.
وإذا مررنا للائحة أعضاء المكتب المسير، فلا يختلف اثنان على أن كل الأسماء التي ضمها البدراوي هي أطر كبيرة وذات كفاءة عالية وتملك خبرة كبيرة في تسيير المقاولات.. ولكن ليس في التسيير الرياضي!!! إذ يفتقر مكتب الرجاء إلى أناس يملكون خبرة و”مكرا” رياضيا وحنكة في خبايا كرة القدم الوطنية، وهو ما أدخل الرجاء في بعض المشاكل في بداية رحلته الانتقالية، التي احتاج فيها البدراوي لشخص يلعب دور الجوكر وينقذه من هفوات كان بالإمكان تفاديها.
تصريحات الرئيس الرجاوي، قد تلقى تجاوبا لدى فئة كبيرة من الجماهير، لكنها قد تجانب الصواب في بعض الأحيان وتخلق له عداوات مع عدة أطراف وتضيف له مشاكل مع متداخلين في تسيير شؤون كرة القدم الوطنية، هو في غنى عنها، خصوصا أنه جديد في مجال التسيير الرياضي، إضافة إلى العديد من الرسائل والمحادثات الخاصة بين البدراوي وبعض الأشخاص التي تصبح بقدرة قادر منشورة ومتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتزيد الطين بلة، والتي تؤكد أن محيط الرجاء أصبح “متسخا” أكثر مما كان.
البدراوي أكد في حفل تقديم اللاعبين أنه سيبتعد عن التصريحات واللقاءات الصحفية وسيمنح للناطق الرسمي “سعد التسولي” كل الصلاحيات لممارسة مهامه، لكن الواقع مختلف تماما، إذ استمر ظهور البدراوي مقابل اختفاء تام لسعد التسولي.
تعامل البدراوي مع صفحته الرسمية على موقع انتسغرام يجب أن يطغى عليه بعض الاحترافية والديبلوماسية، خصوصا في ما يخص أخبار النادي، والتي من المفترض أن تنشر على الصفحة الرسمية للرجاء، إضافة إلى تدويناته وبعض المصطلحات المستعملة والتي لا تتماشى مع صفة “رئيس لنادي الرجاء الرياضي”، كما أن تعامله مع تعاليق الجماهير وتجاوبه بطريقة شعبوية، يسقطه في فخ فضح أخبار النادي أو إعطاء معلومات مهمة وهو الذي طالب في العديد من المرات بالاشتغال بسرية للوصول إلى الأهداف المرجوة.
البدراوي أكد أن الرجاء ستضع حدا لسياسة الكراسي الفارغة داخل دهاليز الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والعصبة الاحترافية لكرة القدم من أجل الدفاع عن مصلحة الفريق مباشرة، ولكن الواقع مختلف تماما، فلم يحرك أحد ساكنا خلال الفترة الماضية والتي عرفت تعرض الفريق لأخطاء تحكيمية مباشرة تسببت في ضياع نقاط مهمة خلال الثلاث جولات الأولى من البطولة الاحترافية (ضربة جزاء غير معلنة ضد أولمبيك أسفي، هدف اتحاد تواركة من تسلل، هدف المغرب التطواني من تسلل)، فمتى سيدافع البدراوي عن فريقه؟ أو بالأحرى هل يستطيع البدراوي الدفاع عنه ولو ببلاغ استنكاري ومراسلة قانونية للجهات المعنية؟
نجاح البدراوي في مجاله كمسير لمقاولة كبيرة على الصعيد الوطني والخارجي، لم يمنحه الشهرة التي منحتها له رئاسة الرجاء وجعلته الاسم الأكثر تداولا في مواقع التواصل الاجتماعي خلال مدة بسيطة، ومهدت له الطريق للحلول ضيفا على واحدة من أكبر القنوات العربية والعالمية.
لحدود الساعة البدراوي يبقى في بداية مشواره، وإذا استثنينا عقود المستشهرين، والتي كانت مشاريع للمكتب السابق وطورها بعد تعيينه رئيسا للفريق، فلم يحقق أي نجاح يكتب في تاريخ الرجاء وسيرته الذاتية، وإذا استسلم في هذه المرحلة، فعدة أسئلة تطرح نفسها: هل اكتفى البدراوي بما حققه؟ هل تعب من تحمل مسؤولية النادي ومصاريفه الكثيرة؟ هل استسهل المهمة وصدم بالواقع أم خانته قلة التجربة في قيادة الرجاء ويسعى للمقاومة والتعلم؟
هي رسالة مباشرة لرئيس نادي الرجاء الرياضي: “لا تهدد بالرحيل”، لأن الرجاء لم ولن يقف على أحد، الرجاء كان ولا زال وسيظل.. الرجاء يملك جمهورا قادرا على إخراجه من أحلك الظروف وحمله على أكتافه دون التذمر أو رفع الراية البيضاء.. فلم يكذب من نطق بعبارة “جمهورها راس مالها”.. الرجاء مر من مراحل فراغ كبيرة ومشاكل تسييرية وأزمات خانقة، لكن عنفوان النسر جعله يقاوم ويحلق رغم الجروح ويصل لمنصات التتويج.. “الرجاء العالمي” سيعود قويا ولمكانته الطبيعية عاجلا أم آجلا، تحت قيادتك أو في حقبة رئيس آخر، لأن هذا هو مصيره وقدره.