يوم الثلاثاء 22 غشت 2023 على الساعة الثامنة و42 دقيقة مساء، تسمرنا جميعا أمام شاشات التلفاز والهواتف والألواح الذكية لمتابعة نهائي سباق 3000 متر موانع، بطولة العالم لألعاب القوى ببودابست والتتويج التاريخي للبطل المغربي العالمي الأولمبي سفيان البقالي بالميدالية الذهبية عن جدارة واستحقاق بعد سباق تكتيكي صعب في ظل المنافسة الكينية الإيثيوبية.
تتويج البقالي منحه العديد من الأرقام الممتازة ومعه المغرب، إذ أصبح ثاني أفضل عداء مغربي تتويجا في بطولة العالم لألعاب القوى في الهواء الطلق برصيد ذهبيتين وفضية وبرونزية خلف هشام الڭروج (4 ذهبيات وفضيتين) ورابع عداء مغربي يتوج بطلا للعالم مرتين أو أكثر بعد هشام الڭروج في 1500م ونزهة بيدوان في 400م حواجز وجواد غريب في الماراثون، إضافة لكونه رابع أكثر عداء متوج في سباق 3000م موانع ببطولات العالم لألعاب القوى برصيد (ذهبيتين و فضية و برونزية) خلف الكينيين إيزيكل كيمبوي (4 ذهبيات و3 فضيات) و موزيس كيبتانوي (3 ذهبيات وفضية) والكيني كونسيسلوس كيبروتو (2ذهب 2 فضة 1 برونز) ويجعل المغرب ثاني أكثر الدول المتوجة في سباق 3000م موانع رجال ببطولات العالم للكبار خلف كينيا برصيد 6 ميداليات (ذهبيتين و فضيتين و برونزيتين).
كل هذه المكاسب التي حققها سفيان البقالي ببودابست المجرية جعلتنا نتذوق حلاوة الإنجاز التاريخي لابن فاس، لكنها اختزنت في طياتها علقما مرا لطعم الإخفاقات التي شهدتها ألعاب القوى المغربية منذ سنين.
والسؤال الأكبر الذي تبادر إلى الأذهان، لماذا نشارك بوفد يضم العشرات من الرياضيين إذا كنا ننتظر إنجاز “سفيان البقالي” لوحده ؟ أي مستقبل لألعاب القوى الوطنية بعد مرحلة “البقالي” ؟ أو من سيدخل اسم المغرب سبورة ميداليات البطولات الكبرى إن غاب “البقالي” ؟ فخروج العدائين المغاربة واحدا تلو الآخر، كان السمة الأبرز في السباقات الإقصائية لبطولة العالم، كما هو الحال في باقي المنافسات الكبرى لأم الرياضات.
ما يمكن ملاحظته بالعين المجردة هو تراجع المغرب في قائمة الدول الكبرى لألعاب القوى، خاصة سباقات المسافات المتوسطة، والتي كانت إلى حد قريب اختصاصا مغربيا، فلم نعد قادرين على انجاب وتكوين عدائين وعداءات، بجودة كبرى ومعايير عالمية، رياضيين قادرين على رفع العلم المغربي في المحافل الدولية الكبرى.
فشل في التكوين والانتاج سيقودنا بشكل مباشر للغياب دورة بعد أخرى عن المسابقات العالمية، فلم يعد هناك عداؤون قادرون على تحقيق الحد الأدنى من أجل التأهل إلى بطولة العالم، وإن فعلوا يخرجون من السباقات الإقصائية.
كل هذا ونحن نتحدث عن السباقات المتوسطة فقط، والتي كما قلنا سابقا كانت تخصصا مغربيا، وكل هذ ونحن لم نفتح بعد صفحة السباقات والاختصاصات الأخرى التي لم يبذل فيها أي مجهود للتطور، من القفز الطولي والقفز بالزانة والوثب الثلاثي ورمي الرمح ورمي الجلة… وكأن ألعاب القوى حكر على “الجري” فقط.
لا يمكننا إخفاء “شمس الإخفاق” ب “غربال تتويج البقالي”، فألعاب القوى المغربية تحتضر، تعيش واحدة من أسوء مراحلها وأكثرها عتمة، في غياب خارطة طريق ومشروع رياضي موحد ومكشوف المعالم… والكلام هنا موجه لرئيس الجامعة الملكية لألعاب القوى ومن معه.
عبد السلام أحيزون، ومنذ 17 سنة وهو على رأس الجامعة الملكية لألعاب القوى لم يتحرك من مكانه ومعه أم الرياضات المغربية، جمود غريب وإخفاقات بالجملة وصمت مخيف.. في كل مسابقة كبرى أو بطولة عالمية نحصد السقوط تلو الآخر، وبدون ردة فعل أو تحرك للمسؤولين والمسيرين…
ولنعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. فقد نجحت جامعة أحيزون في تدبير مسيرة “سفيان البقالي” بعد أولمبياد ريو 2016 وفشله في الوصول إلى البوديوم واكتفائه بالمركز الرابع، وفرت له كل ما احتاجه وجعلته “المشروع الأوحد” في “برنامجها” ومهدت له الطريق ودعمته ومنحته الحرية في الاشتغال ليصل إلى المجد العالمي والأولمبي ويرفع راية المغرب عالية، لكنها في المقابل فشلت فشلا ذريعا في صناعة أو تكوين ودعم أو رعاية أي بطل آخر لقرابة عقدين من الزمن رغم الإمكانيات الكبيرة التي توفرها الدولة من مراكز جهوية ووطنية وبرامج دراسة ورياضة وإمكانيات مالية مهمة تفوق العديد من الجامعات.
فوز البقالي ببطولة العالم هو تتويج بالذهب لكنه إنذار شديد اللهجة لمن يهمه الأمر، فنظرا للمعطيات المتوفرة لا وجود لاسم قادر على إهداء المغرب ميدالية عالمية أو أولمبية جديدة، وقد نعيش بعد البقالي مرحلة جفاف قاحلة خالية من الانجازات ولا نعلم كم ستدوم، على غرار مرحلة ما بعد الكروج والتي دامت 14 سنة…
هذا الإنذار دعوة لتصحيح المسار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه و من أجل العثور على الخلف والعودة بقوة للمشاركة و التألق في سباقات لم يعد لنا فيها وجود، وجب التغيير في الأشخاص والأفكار والاستراتيجيات وجب توفير سبل النجاح لجميع العدائين والعداءات.