(أف ب)
تحولت مدرجات ملاعب كرة القدم في بلدان شمال إفريقيا أكثر من أي وقت مضى إلى منابر يشكو فيها الشباب ضيق الأفق، ويوجهون من خلالها أحيانا انتقادات لسلطات بلدانهم.
وأضحى نشيد «في بلادي ظلموني» رمزا لهذه الظاهرة في المغرب، لكنه تخطى حدود مدرج «المكانة» معقل ألتراس الرجاء البيضاوي العريق في المملكة ليردد في تظاهرات الحركة الاحتجاجية التي تهز الجارة الجزائر منذ عام.
وألفت هذه الأغنية، التي حصدت 9 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب، المجموعة الموسيقية «لالتراس إيغلز» ويرددها الآلاف من مشجعي النادي في مبارياته وسط الشهب الاصطناعية ولوحات التيفوهات المعبرة بأجساد المشاهدين.
ويقول خالد وهو أحد مشجعي نادي الرجاء البيضاوي “إنها تعبر عما يعيشه آلاف الشباب في الأحياء الشعبية”، ويضيف مرافقه أيوب على هامش إحدى مباريات النادي بالدار البيضاء “إننا نعبر عن معاناتنا داخل الملعب”.
ولا يشكل جمهور الرجاء البيضاوي استثناء في هذا الصدد، ففي المغرب كما الجزائر وتونس تحولت مدرجات الملاعب لمثل هذه التعبيرات، إزاء أوضاع تتميز باحتقان اجتماعي وفوارق بين الفئات، فضلا عن مظاهر الرشوة وضيق فضاءات الحرية وكذا الرغبة في الهجرة.
وتحصد فيديوهات تصور أناشيد الجماهير في الملاعب أحيانا ملايين المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتقاسمها حتى الشباب الذين لا يهوون بالضرورة كرة القدم إذ يلمسون فيها ما يعبر عنهم.
وعلى غرار “في بلادي ظلموني” لجماهير الرجاء أخرج التراس الغريم التاريخي الوداد البيضاوي أنشودة “حر ومتمرد”، والتي تدين أوضاع البطالة وخصخصة الخدمات العمومية.
أما ألتراس نادي اتحاد طنجة (شمال) فينددون في أغنية نالت شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ”الظلم”، معبرين بنبرة قاسية عن يأسهم “خذونا في مركب بعيدا عن هذه الأرض”، في إحالة على الهجرة نحو أوروبا عبر “قوارب الموت” كما تسمى في المغرب.
ويرى الصحافي عبد الرحيم بورقية مؤلف دراسة بالفرنسية حول “الألتراس في المدينة” أن هذه التعبيرات “تكشف الكثير عن الصعوبات التي يعانيها الشباب” و”تتداخل فيها السياسة والرياضة”.
ويلفت إلى أن مجموعات الالتراس “يعتبرون أنفسهم خارج المنظومة رافضين أن يتم استعمالهم”.
وبالنسبة للباحث في الشؤون الرياضية منصف بلخياط يمثل هذا الأسلوب “نوعا جديدا من الاحتجاج لا يتطلب أي ترخيص (…) في وقت لم يعد فيه السياسيون والوسطاء التقليديون يلعبون الأدوار المنوطة بهم”.
وفي الجارة الجزائر شكلت مدرجات الملاعب منذ السبعينات متنفسا للتعبير السياسي، العنيف أحيانا، بالنسبة لشباب يجد صعوبة في تمثل مستقبل مشرق.
وتعود هذه الظاهرة إلى سنة 1977 عندما رددت جماهير نادي شبيبة القبائل أغاني تطالب بالاعتراف بالهوية الأمازيغية للجزائر.
وبطبيعة الحال مسح الالتراس الجزائريون الحركة الاحتجاجية التي ولدت قبل سنة ضد ولاية خامسة للرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، ببصمتهم المتميزة.
وتحولت أغنية “لاكاسا دي مرادية” التي أبدعها التراس نادي اتحاد العاصمة إلى نشيد لهذا الحراك، واستوحت عنوانها من المسلسل الاسباني الشهير “لاكاسا دي بابيل” للدلالة على قصر المرادية مقر الرئاسة في الجزائر.
ويسجل المؤرخ الفرنسي جان بيار فيلو، في مؤلفه بالفرنسية “الجزائر، الاستقلال الجديد”، أن “الالتراس تحولوا في الواقع إلى التيار الأكثر تنظيما وهيكلة” في إطار هذه الحركة الاحتجاجية التي ترفض أن تتخذ أي شكل من الأشكال التنظيمية التقليدية.
وتظل الميادين الكروية في تونس أيضا، بعد ثورة 2011، فضاء للتعبير عن المطالب الاجتماعية والسياسية من خلال أناشيد وتيفوهات، ويعد نشيد “يا حياتنا” لالتراس النادي الإفريقي المثال الأبرز على ذلك.
أما في مصر فلعبت مجموعات الالتراس دورا نشيطا في الربيع العربي. ورغم انحصار فضاءات التعبير في البلد، شهدت مباراة للنادي الأهلي بالقاهرة العام الماضي انطلاق تظاهرات صغيرة مناهضة للسلطة، وهو أمر نادر في فترة حكم عبد الفتاح السيسي.
وكان جواب السلطات سريعا بآلاف الاعتقالات شملت أيضا صفوف الالتراس.
ورغم كل شيء يبقى الملعب بالنسبة لطارق أحد مشجعي الرجاء “أقل عرضة للمخاطر”، يمكن أن نعبر داخله دون مشاكل”.