بقلم مصطفى الأبيض. بروكسيل.
انا جد فرحة بما حققته. سترحل إلى لندن للعب بفريق بكبير. انا متأكدة بأنك ستكون متألقا. كن رجلا ، اعتني بنفسك. احبك كثيرا. انا فخورة كثيرا بك. اتمنى لك التوفيق بلندن”.
بهذه العبارات القوية والمشحونة بالحب والعطف، ودعت أم زياش ابنها الذي يستعد للرحيل إلى لندن للانضمام لفريق شيلسي الانجليزي بعد أن قضى سنوات رائعة رفقة اجاكس، لن ينساها الفريق ولا عشاقه. رسالة الأم لابنها اثرت كثيرا في حكيم الذي اجاب بأنه يدين بكل شيء لأمه. تلك الأم التي غادرت موطنها لتلتحق بزوجها في إطار التجمع العائلي في السبعينات من القرن الماضي. تلك الأم التي سهرت على تربية تسعة أطفال لوحدها بعد أن فقدت زوجها مبكرا. لولاها لما واصلت مشواري الرياضي ولما وصلت لما انا فيه الآن.
هكذا كان جواب حكيم زياش بعد مشاهدته لكلمات الوداع ونصائح الأم التي سهرت على تربيته صغيرا وما زالت تقدم له الدعم والحب كبيرا.
ام زياش مثال لكل الأمهات المغربيات اللذانانتقلنا مبكرا بأوروبا إلى جوار أزواجهن. غالبيتهم لم تكن لهن فكرة الهجرة ولا الاستقرار ببلد أوروبي بعيد جغرافيا وثقافيا واجتماعيا عن القبيلة أو القرية التي كن تقطن بها . ام زياش مثال كل المغربيات اللواتي ربوا الجيل الثاني والثالت وسهروا على دراسة وتربية أبناءهم. ام زياش وأمثالها من يستحقون كل التقدير والاحترام والاعتراف من طرف المجتمع بجميع فئاته وشراءحه لما قدموه من مجهودات لتربية اجيال بأكملها والاحتفاظ بالروابط المتينة والقوية مع الوطن . تلك الروابط التي جعلت الأبناء يفضلون حمل القميص الوطني بدلا من قميص البلد الذي ولدوا به.
أعود لتعليق حكيم زياش على رسالة والدته . قال بأن كل شيء كان جد صعب . امي قاست الكثير في بلد وجدت نفسها فيه دون رغبتها في ذالك . بلد اضطرت للتأقلم مع ظروفه القاسية جدا . ومع ذالك نجحت وهو مدين لها طول الحياة بكل الحب والعطف التي قدمته له ولبقية أفراد عائلته.
كان برنامج بلادي يحتفي كل أول اسبوع في شهر مارس بالمرأة المغربية المهاجرة. التقينا بالعديد من الأمهات في مختلف بقاع العالم وكانت دائما نفس القصة ونفس المسيرة ونفس المعاناة. المرأة المغربية في القرن الماضي لم تكن ترغب في الهجرة ولم تطلب أن تغادر البلد ،المدينة أو القرية التي نشأت بها. غادرن المغرب في سن جد مبكرة . انتقلن إلى مساكن جد متواضعة بداخل أحياء هامشية خصصت للمهاجرين وأصحاب الدخل المحدود. كانت هذه المنازل بمثابة سجن وضعن بداخله ليقمن بأدوار بدائية مثل إنجاب الأطفال، تحضير الاكل والواجبات المنزلية. الكثير منهن كن يحلمن بالعودة إلى المغرب . لكن سنة بعد أخرى، ومع قدوم الأطفال ووصول الأزواج لسن التقاعد والشيخوخة، وما يستلزم من رعاية طبية واجتماعية، تاكدن أن العودة مستحيلة . بعضهن فقد ت الرفيق كأم زياش. البعض الآخر ثم تطليقهن في أغلب الأحيان دون علمهن ولا رضاهن. ومع ذلك حققوا حلمهم المثمثل في تقديم كل الدعم أبناءهن حتى يحصلوا على ما حرمت منه الأمهات من تعليم وتدريس وعمل. فكان نجاح كل فرد من أفراد الأسرة بمثابة نجاح الأم التي ناضلت وكافحت من أجل جيل جديد رفع راسهن عاليا كما يقوم بذلك حكيم زياش بعد كل إنجاز يحققه.