في تقدير الكثيرين من متتبعي كرتنا الوطنية، وتحديدا في قسمها الأول، أن النزال الكروي الذي جمع مساء أمس الأحد بين الوداد المتصدر واتواركة المتطلع إلى الأعلى، من أفضل واجود المباريات التي عرفها الموسم الكروي الحالي، الذي توقف عند دورته الثامنة.
بدون مقدمات إضافية، يمكن القول إن الاتحاد التوركي أثار بل انتزع الإعجاب أمام فريق متصدر يلعب أمام جمهوره الذي ظل باستمرار أحد المساهمين في الدفع بفريقه الأحمر نحو سدة الإنجازات والانتصارات.
بين هذه السطور وسطور المباراة التي احتضنها مركب محمد الخامس، كانت هناك سطور أخرى من الدهشة التي رافقت المتابعين لهذا النزال غير المتكافئ بشريا وتقنيا. لقد ظل الفريق التوركي عنيدا في دق باب السهل الممتنع، من تمريرات سهلة لكنها عميقة، حتى لأقول إنها شكلت سراديب مخيفة للدفاع الودادي وعلى حارسه التكناوتي.
وبالرغم من الثقة في النفس المتراكمة لدى التشكيلة الودادية، ورغم شخصية الفريق التي رسمها سواء على مستوى عصبة الأبطال أو على مستوى الدوري الاحترافي، فقد استعصى عليه وعلى مدربه إيجاد الصيغة والأدوات الملائمة لتكسير ذلك الخيط الناظم في الأداء الجماعي، المبني على التخفيف من الأخطاء الفردية والتركيز على التفاصيل الصغيرة، بالرغم من أنه ظل بعيدا عن هذا المستوى من التنافس لمدة دامت زهاء عقدين، أي منذ مطلع الألفية الثانية.
لقد أثارني الهدوء في التعامل مع كل مجريات هذا النزال، الذي اعتبر الكثيرون قبل انطلاقه، أن الوداد هو صاحب الامتياز وأنه لن يخرج كل أسلحته وترسانته البشرية والتقنية ليحقق المراد. لكن الفريق التوركي لعب كرة سهلة، غايته وأفقه الوحيد استثمار المساحات والفجوات الضيقة التي وفرها النهج التكتيكي الذي تبناه بكثير من الذهاء التقني المدرب طارق السكيتوي، المراهن منذ البدء على التقليل من الأخطاء الفردية في الدفاع والوسط مع الرفع من الإيقاع عند امتلاك الكرة، مستغلا التثاقل الملازم دوما للخط الوسطي للفريق الأحمر، ومن ثم الدفع بالكرة سريعا نحو مهاجمه هشام الخلوة، الذي عاكسه الحظ في مناسبات حاسمة.
ربما، أن تواجد محمد عزيز وعمر النمساوي ساهما في ضبط الإيقاع وإيجاد الصيغ الملائمة لإرباك الحسابات، التي لم يضع لها المدرب الحسين عموتة مكانا في جدول أعمال هذه المباراة وتركها مفتوحة على المجهول.
لقد افتقدنا منذ مدة ليست بالقصيرة إلى مثل هذه المباريات التي تمنحك الفرصة لمشاهدة مباراة بنكهة ورائحة مغربية صرفة، كتلك التي عودنا عليها صاحب اليسرى الذهبية محمد التيمومي والمايسترو الراحل الظلمي وصانع العاب الوداد في الزمن الذهبي حسن بنعبيشة ورفيقه في الوسط امجيد بويبوض والزئبق المراكشي أحمد البهجة وساقيه بالماء الدافئ الأسمر الطاهر لخلج والراحل المناسب عزيز الدايدي وآخوين ممن أبدعوا وأوفوا ومنحونا كرة مغربية خالصة، تعطيك الانطباع بأنك تشاهد مباراة بتوابل مغربية لا توجد إلا على أرض تتنفس رياح الأطلس.
كم نتمنى، بل نراهن على أن نجدد العهد مع رائحة ولون كرتنا المميزة بأسلوبها البسيط والبعيد عن الآخرين ونماذجهم في صناعة الفرص، لأن لدينا – على كل حال- إرثا كرويا نسيناه بفعل لهطة النتائج المريضة وأسرعنا الخطى في القطع معه، وأصبحنا مقلدين لا مبدعين، وبالطبع فالإبداع سر التألق.
برافو لاتحاد تواركة، الذي أمتع واستطاع أن يقف معاندا ومشاكسا بواسطة وسائل عادية وبسيطة أمام أحد كبار الكرة الوطنية والمرشح فوق العادة للفوز بلقب جديد.
تعيش كرتنا الوطنية منذ سنوات احتباسا في النهج وفي الأداء، مع دخول مدارس عديدة إلى شرايين الممارسة الكروية المغربية، مما أفقدها الهوية والرائحة والعرق المغربي الخاص، الذي منحنا على الدوام معادلة صعبة في المشهد الكروي العربي والإفريقي، ولما لا العالمي.
ونحن على أبواب المونديال نراهن بكل قوانا، على أن يكون الأداء المغربي مغربيا خالصا بدون توابل غربية وغريبة.