في نهاية التسعينات نظمت مباراة في كرة القدم بهولندا بين المنتخب الهولندي ونظيره المغربي. انتهت المباراة آنذاك لفائدة أصدقاء بصير والنيبت. حضر المباراة ستة آلاف من أبناء الجالية . كنت حاضرا ضمن فريق تلفزي و التقطتنا صور فرحة الشباب المغربي. لكن قبل انطلاق المباراة منع طاقمنا من دخول الملعب لعدم توفرنا على إذن لذالك. كنا ضمن جانب من الجمهور المغربي بباب الدخول للملعب . احدث الشباب ضجة ضخمة حين منعنا من الدخول بل وكادو ان يكسرو الباب إلى أن سمح لنا بالدخول. نفس الإحساس والحماس تجده في كل ملاعب العالم حين يرفع العالم المغربي. كان برنامج بلادي وطاقمه يستقبلون بترحاب قل نظيره لأن كل مواطن مغربي شيخا كان ام شابا، يجده فيه تلك النافذة التي يطل بواسطتها على بلده الأم وعلى مواطنين ومواطنات لهم نفس الانشغالات الانتظارات.
انتهت المباراة بفوز المنتخب المغربي أهداف شيبو ويصير. كانت فرحة لا توصف لذا شباب الجالية ومعظمهم من الجيل الثاني والثالت. أخدنا إرتسامات تعبر عن فرحة عارمة واحساس بأنك فوزنا بلقب كأس العالم. سألت البعض وجلهم لا يتكلم العربية. فأجابني أحدهم. لو فتحوا عروقنا لوجدوا لون دمنا اخضر واحمر.
خلال حلقاتنا الخاصة بهولندا تابعنا معظم اللاعبين الهولنديين من أصول مغربية. من الخطابي في نهاية التسعينات إلى السعيدي . عشرات اللاعبين الموهوبين الذي وجدوا في الرياضة وكرة القدم فرصة سانحة للخروج من الفقر والتهميش. ازدادوا وترعرعو في أحياء فقيرة، كافح آباءهم من أجل تسجيلهم و مرافقتهم للنوادي الرياضية. لم تكن الأرض مفروشة بالورود بل كان عليهم إبراز مؤهلات تفوق بكثير تلك التي كانت تتوفر في بقية الشباب. كان على حكيم زياش ،نور الدين مرابط ، لبيض والآخرون خوض تمارين إضافية وحصص خاصة لنيل ثقة مدربيهم. حتى قيمة عقودهم الاحترافية الأولى كانت هزيلة مقارنة مع قيمة عقود بقية اللاعبين . بل في بعض الأحيان كان للحظ دور كبير في توقيع تلك العقود بعد أن أقفلت العديد من الأبواب في وجوههم .
من أبناء المغرب بالمهجر الذي ترك بصمات واضحة داخل المنتخب المغربي قيل اعتزاله الدولي مبارك بوصوفة. قصة ابن مدينة أمستردام المنحدر من أصول صحراوية بإقليم كلميم تلخص معاناة أبناء المغرب بالمهجر ، وتشرح بعض أسباب اختيار شبابنا بالمهجر حمل القميص الوطني. ولد مبارك بوصوفة بحي بضواحي مدينة أمستردام ومارس كرة القدم بنفس الحي . كان حسب والده طفل مهووس بالكرة وهو في سن جد مبكرة ورغم نحافت جسمه. انخرط داخل اكبر الأندية الهولندية ، نادي أجاكس أمستردام. مر بجميع الفئات إلى أن بلغ فئة الشبان . انتقل بعد ذلك لفريق شيلسي فئة شبان. حصل على عمادة الفريق لكنه لم يستطع الحصول على عقد احترافي. عاد لفريقه الاصلي الذي رفض كذلك منحه فرصة لتأكيد مواهبه ضمن الفريق الأول. قرار أجاكس أكثر كثيرا على نفسية مبارك الذي قرر اعتزال كرة القدم وهو في سن الثامنة عشرة. وبعد فترة إحباط لمدة موسم بأكمله اقترح عليه صديق القيام بتجربة بنادي بلجيكي. لم يكن مبارك يتوفر حتى على الامكانيات المادية للتنقل لبلجيكا. لكن أخاه الأصغر إستطاع الحصول على سيارة من أحد أصدقاءه ورافق أخاه لنادي كانك . شارك بوصوفة في الحصة التدريبية الأولى. وفي نهاية الحصة طلب منه المدرب الاستقرار ومنحه فرصة توقيع أول عقد احترافي. استمر بوصوفة ببلجيكا لمدة تفوق عشر سنوات بنادي كانك اولا قبل أن يصبح نجم فريق اندركت واحسن لاعب بالبطولة البلجيكية حيث فاز عدة مرات ببطولة بلجيكا وخاض مرتين منافسات التشامبيانز ليك. حصل على ثقة الناخب الوطني وحمل القميص الوطني بل وخاض نهائيات كأس العالم واصبح عميد المنتخب الثاني بعد بن عطية. قصة بوصوفة قد تشبه قصة العديد من شباب المغرب بالمهجر و خصوصا بهولندا. أضف على ذلك دور العائلة التي تساهم هي الأخرى في اختبار شبابنا بالمهجر حمل القميص الوطني .
لم تقتصر زيارة برنامج بلادي لللاعبين بهولندا بل زرنا ابطالنا في مختلف الدول الأوروبية. ولعل اقوى اللحظات والحلقات هي تلك التي حضر خلالها طاقم البرنامج آخر لقاء بالبطولة الإسبانية التي فاز خلالها فريق دبورتيفو كورونيا بلقب بطولة اسبانيا إمام عمالقة الكرة ريال مدريد وبرشلونة . وكانت مناسبة اختيارنا حضور هذه المباراة تواجد النيبت وبصير ضمن الفريق البطل. وكانت أول مرة يحصل فيها فريق اسباني يلعب في صفوفه مغاربة البطولة الإسبانية. كانت حلقة متميزة سأعود لها قريبا لاحكي لكم ذكريات هذه المباراة. فبعد انتهائها طلب منا مدير الأخبار بالتلفزة إرسال تصريحات النيبت وبصير فور انتهاء اللقاء. لكن عند مغادرتها المباراة لم نجد سيارة نقل للتوجه إلى محطة الارسال بالمدينة التي تبعد بحوالي عشر كيلومترات. فما كان علينا إلا أن قطعنا المسافة مشيا على الأقدام لإرسال الصور التي بثت بالاخبار الأخيرة بنفس اليوم دون أن يتم ذكر اسم الفريق الذي أرسل الصور وهذا السبق الإعلامي. سامحك الله صديقي حسن الحريري . هذه الملاحظة ليست عتابا بل من أجل المداعبة.